صحة

قبعة منزلية لعلاج الاكتئاب: هل تقنية tDCS هي الحل الجديد؟

في عالم يسعى باستمرار إلى تقديم حلول مبتكرة لمشكلات الصحة النفسية، أظهرت تجربة سريرية حديثة تقدمًا ملحوظًا باستخدام جهاز يشبه قبعة السباحة لعلاج الاكتئاب في المنزل. هذه التجربة، التي شارك فيها أكثر من 150 شخصًا، قدمت نتائج واعدة تشير إلى فعالية جهاز التحفيز المباشر عبر الجمجمة (tDCS)، والذي يعتمد على تحفيز مناطق معينة في الدماغ بلطف باستخدام تيار كهربائي ضعيف.

كيفية عمل تقنية tDCS؟

تعمل تقنية التحفيز المباشر عبر الجمجمة (tDCS) من خلال إرسال تيار كهربائي ضعيف عبر أقطاب كهربائية موضوعة على فروة الرأس، تستهدف مناطق في الدماغ ترتبط بتنظيم المزاج. التيار المستخدم في هذا العلاج غير مؤلم ويهدف إلى زيادة نشاط الخلايا العصبية وتحفيز الدماغ. يعتبر هذا النهج غير جراحي ومناسب للأشخاص الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية مثل مضادات الاكتئاب أو العلاج النفسي، وهو ما يُعد تقدماً كبيراً لمن يُقدر عددهم بأكثر من ثلث المصابين بالاكتئاب الذين يعانون من فشل العلاج التقليدي.

نتائج التجربة السريرية: فعالية العلاج عن بُعد

تم نشر نتائج هذه التجربة السريرية في مجلة Nature Medicine بتاريخ 21 أكتوبر 2024، حيث أظهرت الدراسة أن المشاركين الذين تلقوا علاج tDCS لمدة عشرة أسابيع حققوا تحسنًا ملحوظًا في أعراض الاكتئاب مقارنة بالمجموعة الضابطة. ما يميز هذه الدراسة هو أنها أُجريت عن بُعد، مما يعني أن المشاركين تلقوا العلاج في منازلهم، مما يزيل حاجز زيارة العيادات المتخصصة يوميًا.

تفاصيل التجربة وكيفية العلاج

ركزت التجربة على تحفيز منطقة القشرة الأمامية الجبهية الجانبية في الدماغ، وهي منطقة مسؤولة عن اتخاذ القرارات والنشاط الذهني الذي يكون أقل لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب. وفقًا للدكتورة سينثيا فو، عالمة الأعصاب الإكلينيكية وأحد المشاركين في الدراسة: “يعمل التحفيز عبر الجمجمة على إرسال تيار ضعيف يسهل على الخلايا العصبية إطلاق الإشارات.”

تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: مجموعة تلقت العلاج الفعلي عبر تيار بقوة 2 مللي أمبير، ومجموعة أخرى ارتدت جهازًا وهميًا لمحاكاة التجربة دون تحفيز فعلي. تم تقديم العلاج خمس مرات أسبوعيًا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى، ثم ثلاث مرات أسبوعيًا لبقية الأسابيع السبع.

تقييم النتائج وتحسن الأعراض

بعد عشرة أسابيع من العلاج، أظهرت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا العلاج الفعلي سجلوا تحسنًا ملحوظًا في درجات مقياس أعراض الاكتئاب بمقدار 9.41 نقطة مقارنة بالمجموعة الضابطة التي سجلت تحسنًا بمقدار 7.14 نقطة. ما يقرب من 45% من المشاركين في المجموعة العلاجية أظهروا تحسنًا كبيرًا أو تعافيًا من الأعراض، مقارنة بـ 22% فقط من المجموعة التي ارتدت الجهاز الوهمي.

تحديات العلاج ومستقبل تقنية tDCS

رغم النتائج المشجعة، إلا أن فعالية هذا العلاج ليست شاملة لجميع المرضى. أشارت أبحاث سابقة إلى أن بعض الأشخاص لا يستجيبون لهذه التقنية بنفس الفعالية. يوضح الدكتور فرانك بادبرغ، طبيب نفسي بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، أن التحدي الرئيسي في المستقبل هو فهم سبب استجابة بعض الأشخاص للعلاج بينما لا يستجيب آخرون. ويضيف أن تخصيص الجرعات بشكل فردي قد يكون الخطوة القادمة لتحسين نتائج العلاج.

كما يشير خبراء آخرون إلى أن الدراسات المستقبلية قد تستفيد من تقنيات التصوير الدماغي وتسجيل النشاط الكهربائي لمراقبة التغيرات في الدوائر العصبية خلال جلسات العلاج. هذه الخطوات قد تساعد في تقديم فهم أعمق لكيفية تأثير هذا التحفيز على الدماغ في الوقت الفعلي.

هل يصبح tDCS جزءاً من العلاج السريري؟

يرى العديد من الخبراء أن التقنيات غير الجراحية مثل tDCS قد تصبح جزءاً من الرعاية الصحية المستقبلية لعلاج الاكتئاب. فمع التطور المستمر في هذه التقنيات وتحسن نتائج الأبحاث، قد يشكل هذا العلاج خيارًا واعدًا للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب ولا يستجيبون للعلاجات التقليدية.

يقول الدكتور شون ماكلينتوك، أخصائي علم النفس العصبي في مركز UT Southwestern الطبي في تكساس: “إمكانية تقديم العلاج النفسي في المنزل تمثل قفزة نوعية في إزالة الحواجز أمام الحصول على العلاج.” ويضيف أن هذا النوع من العلاج قد يسهم في جعل الرعاية النفسية أكثر سهولة للجميع.

خاتمة: يعد التحفيز المباشر عبر الجمجمة (tDCS) خطوة كبيرة نحو تحسين العلاجات المقدمة لمرضى الاكتئاب، خاصةً لأولئك الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية. ورغم أن هناك تحديات مرتبطة بتحديد الأشخاص الذين قد يستفيدون من هذا العلاج، إلا أن الدراسات الحالية تفتح الباب لمستقبل مشرق في مجال العلاج النفسي غير الجراحي.

سمر أحمد

صحفية شغوفة بالكتابة عن قضايا المرأة والمجتمع. تتميز بتحليلاتها العميقة وتغطياتها للأحداث المحلية والدولية. تعمل سمر على تسليط الضوء على مواضيع متنوعة مثل الصحة والتعليم والفن والرياضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى